سورة التكوير - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التكوير)


        


{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5)}
{إِذَا الشمس كُوِّرَتْ} قال ابن عباس: ذهب ضوءها وأظلمت وقيل: رمي بها، وقيل: اضمحلت. وأصله من تكوير العمامة لأنها إذا لفت زال انبساطها وصغر جرمها {وَإِذَا النجوم انكدرت} أي تساقطت من مواضعها، وقيل: تغيرت، والأول أرجح لأنه موافق لقوله: {وَإِذَا النجوم انكدرت} وروي أن الشمس والنجوم تطرح في جهنم ليراها من عبدها، كما قال: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] {وَإِذَا الجبال سُيِّرَتْ} أي حملت وبعد ذلك تفتتت فتصير هباء ثم تتلاشى {وَإِذَا العشار عُطِّلَتْ} العشار جمع عَشْراء وهي الناقة الحامل التي مر لحملها عشرة أشهر، وهي أنفس ما عند العرب وأعزها فلا تعطل إلا من شدة الهول، وتعطيلها هو تركها سائبة أي ترك حبلها {وَإِذَا الوحوش حُشِرَتْ} أي جمعت، وفي صفة حشرها ثلاثة أقوال: أحدها أنها تحشر أي تبعث يوم القيامة، ليقتص لبعضها من بعض ثم تكون تراباً. والآخر أنها تحشر بموتها دفعة واحدة عند هول القيامة قاله ابن عباس، وقال: إنها لا تبعث وأنه لا يحضر القيامة إلا الإنس والجن والثالث أنها تجمع في أول أهوال القيامة وتفر في الأرض فذلك حشرها.


{وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14)}
{وَإِذَا البحار سُجِّرَتْ} فيه ثلاثة أقوال: أحدها ملئت وفجر بعضها إلى بعض حتى تعود بحراً واحداً، والآخر مُلئت نيراناً لتعذيب أهل النار، والثالث فرغت من مائها ويبست. وأصله من سَحْرتُ التنور إذا ملأتها، فالقول الأول والثاني أليق بالأصل. والأول والثالث موافق لقوله {فجرت} {وَإِذَا النفوس زُوِّجَتْ} فيه ثلاثة أقوال: أحدها أن التزويج بمعنى التنويع لأن الأزواج هي الأنواع، فالمعنى جعل الكافر مع الكافر والمؤمن مع المؤمن، والثاني: زوجت نفوس المؤمنين بزوجاتهم من الحور العين، والثالث: زوجت الأرواح والأجساد أي ردت إليها عند البعث الأول هو الأرجح، لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر بن الخطاب وابن عباس {وَإِذَا الموءودة سُئِلَتْ * بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} الموؤدة هي البنت التي كان بعض العرب يدفنها حية من كراهته لها، ومن غيرته عليها فتسأل يوم القيامة بأي ذنب قتلت على وجه التوبيخ لقاتلها، وقرأ ابن عباس: {وَإِذَا الموءودة سُئِلَتْ * بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} بضم القاف وسكون اللام وضم التاء، واستدل ابن عباس بهذه الآية على أن اولاد المشركين في الجنة لأن الله ينتصر لهم ممن ظلمهم {وَإِذَا الصحف نُشِرَتْ} هي صحف الأعمال تنشر ليقرأ كل أحد كتابه، وقيل: هي الصحف التي تتطاير بالأيمان والشمائل بالجزاء {وَإِذَا السمآء كُشِطَتْ} الكشط هو التقشير كما يكشط جلدة الشاة حي تسلخ، وكشط السماء هو طيها كطي السجل قاله ابن عطية، وقيل: معناه كشفت وهذا أليق بالكشط {وَإِذَا الجحيم سُعِّرَتْ} أي أوقدت وأحميت. {وَإِذَا الجنة أُزْلِفَتْ} أي قربت {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ} هذا جواب إذا المكررة في المواضع قبل هذا، ومعناه علمت كل نفس ما أحضرت من عمل، فلفظ النفس مفرد يراد بكه الجنس والعموم وقال ابن عطية: إنما أفدرها ليبين حقارتها وذلتها، وقال الزمخشري: هذا من عكس كلامهم الذي يقصد به الإفراط فيما يعكس عنه {رُّبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ} [الحجر: 2] ومعناه التكثير، وكذلك هنا معناه أعم الجموع {مَّآ أَحْضَرَتْ} عبارة عن الحسنات والسيئات.


{فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26)}
{فَلاَ أُقْسِمُ} ذكرت نظائره {بالخنس * الجوار الكنس} يعني الدراري السبعة وهي الشمس والقمر وزحل وعطارد والمريخ والمشتري والزهرة وذلك أن هذه الكواكب تخنس في جريها أي تتقهقر، فيكون النجم في البرج ثم بكرّ راجعاً وهي جواري في الفلك، وهي تنكنس في أبراجها أي تستتر وهو مشتق من قولك: كنس الوحش إذا دخل كناسه وهو موضعه. وقيل: يعني الدراري الخمسة وهو مشتق بضوء الشمس. وقيل: يعني النجوم كلها، لأنها تخنس في جريها وتنكنس بالنهار أي تستر، وتختفي بضوء الشمس. وقيل: يعني بقر الوحش، فالخنس على هذا من خنس الأنف والكنس من سكناها في كناسها {والليل إِذَا عَسْعَسَ} يقال عسعس إذا كان غير مستحكم الظلام، فقيل: ذلك في أوله، وقيل: في آخره وهذا أرجح، لأن آخر الليل أفضل، ولأنه أعقبه بقوله: {والصبح إِذَا تَنَفَّسَ} أي استطار واتسع ضوؤه {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} الضمير للقرآن والرسول الكريم جبريل، وقيل: محمد صلى الله عليه وسلم. قال السهيلي: لا يجوز أن يقال إنه محمد عليه السلام؛ لأن الآية نزلت في الرد على الذين قالوا إن محمداً قال القرآن، فكيف يخبر الله أنه قوله: وإنما أراد جبريل، وإضاف القرآن إليه لأنه جاء به، وهو في الحقيقة قول الله تعالى، وهذا الذي قال السهيلي لا يلزم، فإنه قد يضاف إلى محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه تلقاه عن جبريل عليه السلام، وجاء به إلى الناس، ومع ذلك فالأظهر أنه جبريل وصفه بقوله: {ذِي قُوَّةٍ} وقد وصف جبريل بهذا لقوله: {شديد القوى} و{ذو مرة} {عِندَ ذِي العرش} يتعلق بذي قوة، وقيل: بمكين، وهذا أظهر والمكين الذي له مكانة أي جاه وتقريب {مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} هذا الظرف إشارة إلى الظرف المذكور قبله. وهو عند ذي العرش أي مطاع في ملائكة ذي العرش {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} هو محمد صلى الله عليه وسلم باتفاق {وَلَقَدْ رَآهُ بالأفق المبين} ضمير الفاعل لمحمد صلى الله عليه وسلم، وضمير المفعول لجبريل عليه السلام، وهذه الرؤية له بغار حراء على كرسي بين السماء والأرض. وقيل: الرؤية التي رآه عند سدرة المنتهى في الإسراء، ووصف هذا الأفق بالمبين لأنه روي أنه كان في المشرق من حيث تطلع الشمس، وأيضاً كل أفق فهو مبين {وَمَا هُوَ عَلَى الغيب بِضَنِينٍ} الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم. ومن قرأ بالضاد فمعناه بخيل أي لا يبخل بأداء ما ألقى إليه من الغيب، وهو الوحي، ومن قرأ بالظاء فمعناه متهم أي لا يتهم على الوحي، بل هو أمين عليه. ورجح بعضهم هذه القرءاة بأن الكفار لم ينسبوا محمداً صلى الله عليه وسلم إلى البخل بالوحي بل اتهموه فنفى عنه ذلك {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ} الضمير للقرآن {فَأيْنَ تَذْهَبُونَ} خطاب لكفار قريش أي ليس لكم زوال عن هذه الحقائق. وقد تقدم تفسير بقية السورة في نظائره فيما تقدم.